شام العروبة

الحرية جبل، والوصول إليه يبدأ من أسفل الوادي

الحرية جبل الوصول إليه يبدأ من أسفل الوادي

لا يخفى على أحد ما يحصل في بلادنا العربية منذ أشهر،

إبتداء من فصل الشتاء من هذا العام،

إمتدادا لفصلي الربيع والصيف،

وتكملة لفصل الخريف كما تتنبأ به مجريات اليوم.

كلها جمعيا تعرف بربيع الشعوب العربية،

كناية على أن هذا الربيع لن يتغير بتغير المواسم.

فكما يميز الربيع عطر وروده وتغريد طيوره،

يميز ربيعنا الحاضر عطر شهدائنا وتغريد أحرارنا.

فالهدف اللحظي هو بأن تحصل الشعوب على حقها في الحرية والعدالة والعيش بكرامة،

تماما كما تلزم علينا تضحيات من ضحوا.

وبالتالي، إمتدت رقعة الثورة في بلادنا العربية حتى وصلت إلى اليمن وبلاد الشام.

ولننسى قليلا — أو أبديا، علنا نغمض أعيننا ذات ليلة لنرى أن معجزة ما قد أزالت كابوسنا الطويل؛

لننسى أضحوكة تأثر محتلينا بثوراتنا، “ليثوروا” أيضا على “حكامهم” لوهلة،

ثم ينزووا على أنفسهم كما هو متوقع من إعوجاجهم.

ولنبقى في أحد مضامير الصدق، لنبقى في شام العروبة.

كتعريف: شام العروبة هو لقب يطلق على سوريا،

لقب لم أعرفه حقا حتى نوديت به.

فلسوريا: الشام هو إسمها البديل، تيمننا بعاصمتها دمشق الشام.

والعروبة هي خصلتها الملازمة لها،

عاشت طوال قرون رافعة رايتها، ساعية لإحيائها –

تيمننا بتاريخ شعبها العربي والإسلامي العريق في ميادين الحق على مر العصور،

حاملة لنا الشرف، باعثة فينا العزة.

ولي: شام هو إسمي البديل أيضا،

أما العروبة فهو هدفي ومسعاي الدائم.

هذه المقارنة هي صلة ليست بغريبة علي،

بل جاءت مؤكدة لفكرة إحتضنتها سابقا.

حقيقة، أنا أحب تلك الأرض.

أحبها لسبب بسيط، هو فكرتي بأن ما أقرب من الوطن إلا وطن آخر يشبهه؛

فتاريخ سوريا هو تاريخ فلسطين، في السلم والحرب كافة.

اللغة طبيعيا واحدة، واللكنة تكاد تكون.

والثقافة واحدة؛ نفس الأطباق الشامية: كبة، ورق عنب، وشورما،

رقصتنا هي الدبكة، وتراثنا في كوفية وطربوش.

الطبيعة واحدة: خضار شاسع، ساحل مشمس،

مرتفعات ترقى للسماء، وصحاري صفراء.

والضمير هو نفسه – واحد موحد؛

فالعروبة هي روحنا وهويتنا، والإسلام هو ديننا وديدننا.

وحبنا للعائلة متطابق: إجتماعات في منزل كبير، حين نكون معا…حين نستطيع.

وروح الناس هي نفسها: طيبة، كرما، وأصالة،

فما يفصلهم حقا هي حدود وهمية ليتناثروا عن اليمين وعن اليسار.

زرتها مرة، لأشتاق لها مرات.

رأيت أسواقها القديمة، مساجدها العتيقة، وطرقها الضيقة،

فكانت لي كما حلمي عن وطني،

كما تخيلت أسواق وطني، جوامعها، وحواريها.

حتى ساحلها على البحر المتوسط؛

كنت أقف على رمال سوريا، وخيالا أبصر فلسطين على ضفة مقابلة،

لأفكر بأن هذا الشاطئ نفسه هناك، بلونه، بصخوره، وزبد بحره.

وتلك نفسها الشمس على بقعة جغرافية واحدة،

ساطعة في زرقة السماء، ساقطة على سمرة الوجوه.

وأجواء المدينة – قدمها من قدم التاريخ، وحاضرها لبشر تموت لتعيش،

يصلنا عبق ماضيها – وحاضرها – محملا على رياح الشمال… كما في وطنى تماما.

أما في الحرب، فلا داعي للقول بأن نضالنا واحد؛

من يد غربية مستعمرة، إلى قدم صهيونية مغتصبة.

محصلة، أدري كم هي سوريا عزيزة على أبنائها،

فهم أولى بها وأوفى لها،

ولكنها تسرق قلوب كل من مني بمرآها.

وأنا لن أوفيها حقها،

لكني أعرف شعور الوطن المظلوم،

وأؤمن أن دماء شهدائها ستطهرها من كل ما أصابها.

فنرجو من الله أن يمني بلادنا بالفرج والحرية،

لتعود لنا شام العروبة، لمجدها وعزتها… وتعيده لأمتنا.

مقتطف من "مئة عام من العزلة" لغابرييل غارسيا ماركيز:
"...مضت عشرة أيام لم يروا خلالها الشمس.
صارت الأرض طرية ورطبة، مثل رماد بركاني.
وصارت الخضرة أكثر فأكثر خداعا،
وتباعد زعيق الطيور وصخب القرود أكثر فأكثر،
وصار العالم كئيبا إلى الأبد.
أحس رجال الحملة بأن أقدم ذكرياتهم تثقل عليهم
في جنة الرطوبة والصمت تلك السابقة على الخطيئة الأصلية...
وطوال أسبوع، دون أن يتبادلوا الكلام تقريبا،
تقدموا كمنومين في عالم من الغم،
تكاد لا تضيء عليهم فيه سوى انعكاسات خافتة
من حشرات مضيئة...
ولم يعد بإمكانهم الرجوع،
لأن الدرب الذي كانوا يشقونه بمرورهم،
يعود للإنغلاق بعد قليل بخضرة جديدة،
يرونها تنمو أمام عيونهم تقريبا...
كانوا منهوكين من المسيرة الطويلة،
فعلقوا أراجيح نومهم،
وناموا بعمق لأول مرة منذ أسبوعين.
وعندما استيقظوا،
وكانت الشمس قد ارتفعت،
فغروا أفواههم مفتونين."
هذا المنشور نشر في عن فلسطين, عن اللغة, عن الحياة وكلماته الدلالية , , , , , , , , , , , , , , . حفظ الرابط الثابت.

أضف تعليق